كتاب «الله والإنسان».. جدل مخالفة العقيدة بالتي هي أحسن

أثار كتاب “الله والإنسان” للدكتور مصطفى محمود ضجة وجدلا شديدا ،وقد أمر الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر بمصادرة الكتاب ،وذلك حسبما جاء في الفيلم الوثائقي الذي أذاعته قناة الجزيرة بعنوان “مصطفى محمود العالم والإنسان”.

ولم يستجب عبد الناصر لرغبة عدد من علماء الأزهر في تحويل مصطفى محمود إلى المحاكمة بتهمة الكفر والإلحاد، غير أن الرئيس أنور السادات أفرج عنه وأوصى بطباعته ثانية.

وقد توجه الأستاذ “ح.أ” وهو ممثل لمجمع البحوث العلمية وجماعة البر والتقوى، بسؤال لدار الإفتاء يطلب فيها رأيهم فيما نشر بمجلة روزليوسف من كتاب “الله والإنسان “للدكتور مصطفى محمود.

العقل والعلم

ومن جانبه فقد أجاب فضيلة الشيخ حسن مأمون 23 شوال 1376 هجرية – 23 مايو 1957م قائلا:” إن الكاتب قد اهتم في كتابه بتمجيد العقل والعلم والحرية، وإظهار أثرها في تقدم الفرد والأمة ولا جدال في أن الدين الإسلامي قد سبقه إلى ذلك فقد عرف للعقل قيمته وقدره وطالب الناس بالتفكير في خلق الله وبالنظر والاعتبار.

ونجد آيات القرآن الكريم حافلة بذلك كما أنه دعا إلى العلم بكل ما يحتاج إليه الإنسان في حياته وبعد مماته، وكل ما يرفع شأن البشرية ويحقق على الوجه الأكمل معنى خلافة الإنسان عن الله في أرضه يعمرها ويستخرج كنوزها ويفيد من كل ما أودع الله فيها .”

وتابع فضيلته في رده علي الكتاب قائلا:”إن الإيمان الذي فرضه الإسلام وسائر الأديان السماوية، وهو الإيمان بأن للعالم إلها واحدا هو الله سبحانه وتعالى، وهو المستحق وحده للعبادة والذي يستعان به، ولا يستعان بغيره في كل شئون الحياة، يحقق معنى حرية الإنسان في أسمى صورها وأعلى مراتبها. فالمؤمن إيمانا صادقا لا يكون عبدا لغيره، ولا عبدا لشهواته، ولا لأي شيء آخر سوى الله سبحانه وتعالى الذي خلقه وخلق كل شيء.”

وأوضح الشيخ مأمون قائلا:” دعوة الكتاب إلى تمجيد العلم والعقل، وإلى أن يفكر الإنسان تفكيرا حرا مستقيما دعوة لا ننكرها عليه، ولا ينكرها عليه الدين الإسلامي. فما جاء في آخر الكاتب من الدعوة إلى أن يتكاتف المسلم المفكر الحر والسياسي اليقظ ورجل الدين العصري إلى أن يكونوا في توثب دائم ليكسروا الدروع السميكة حول أعدائنا، ويمزقوا عن وجوههم القبيحة النقاب لا شيء فيه وهو مما نوافقه عليه.”

سوء فهم

أما عن الأخطاء التي جاءت في الكتاب فقال عنها :”لم يخل الكتاب من أخطاء لا نستطيع أن نمر عليها بدون إبداء رأينا فيها، وقبل أن نبين هذه الأخطاء فقد خرجنا من قراءة الكتاب بحقيقة لمسناها، وهى أن الكاتب قد عاش في وسطنا المصري الشرقي وشاهد بعض تصرفات ممن لا يفهمون الدين الإسلامي أو لا يفهمون منه إلا بعض رسومه وأشكاله، والذين يحاولون أن يقتنعوا بهذه الصور الشكلية التي لا روح فيها ولا غناء متناسي روح الدين وتعاليمه التي ترفع من شأن الإنسان وتدفعه إلى العمل الحر الكريم لنفسه ولأسرته ولوطنه بل وللإنسانية كلها، ولعل الكاتب قد ظن أن ما يراه يمثل حقيقة الدين الإسلامي فازدرى هؤلاء وكتب ما كتب متأثرا بهم وبأحوالهم، ولو أنصف لعالج هذه العيوب عن طريق آخر غير طريق الهجوم على الدين الإسلامي وعلى الأديان كلها هجوما واضحا نلمسه فى كتابه في كثير من المواطن.”

ويوضح فضيلته أخطاء الكاتب وسببها قائلا: “إن الكاتب وأمثاله لم يقعوا فيما وقعوا فيه من خطأ إلا لأنهم لم يكلفوا أنفسهم عناء دراسة الأحكام التي دعا الإسلام الناس إلى إتباعها، بدليل أنى لم أجد في كتابه شيئا منسوبا إلى الدين يستحق أن ينقد أو أن يزدرى.”

صنعنا الصلاة

وتابع:”من الأمثلة التي أخطأ فيها الكاتب والتي لا نقرها عليه بل إننا نعتقد أنه لو راجع نفسه لن يقر هذا الخطأ من ذلك قوله في ص 24 ( والطريقة العصرية في بلوغ الفضيلة ليست الصلاة، وإنما هي الطعام الجيد والكساء الجيد والمسكن الجيد والمدرسة والملعب وصالة الموسيقى ) فإنه إذ يمجد الطريقة العصرية يخطئ الطريق.

فيظن أن الصلاة من العوائق التي تمنع من بلوغ الفضيلة، ولذلك حط من قدرها، ونسى أو تناسى أثرها في تقويم الخلق وتهذيب النفس ولا يفهم معنى للربط بين الصلاة وبين ما يتطلبه الجسم والعقل، فقد أمر الله الناس بالصلاة وفرضها عليهم، ونهاهم عن الزهد في الحياة وأباح لهم الطيبات من الرزق وكل ما يحتاج إليه الجسم ليكون قويا والعقل ليؤدي واجبه في فائدة صاحبه. فالصلاة لا تتعارض مع مطالب الحياة ولا تنافيها. فلا وجه لقوله إن الفضيلة ليست الصلاة بل الصلاة تجئ على رأس الفضائل كلها وإذا كان هذا هو ما قد يفهمه بعض المتصوفة من الدين، فلا يجوز بحال من الأحوال أن يفهمه كاتب متحرر يحاول أن يحل مشكلته مع نفسه ومشاكل الناس مع أنفسهم بتأليفه هذا الكتاب.”

واستطرد :”ومن أمثلة خطئه أيضا ما كتبه في ص 26 ( لقد صنعنا الصلاة وحددناها ،وجربناها على المذاهب الأربعة ولم يبق إلا أن نجرب الطعام الجيد ) ، في هذه العبارة خطأ فاضح، فليس من الإنصاف أن يقول كاتب إننا صنعنا الصلاة، فالصلاة لم يصنعها الإنسان وإنما أمر بها الله، ولا أدرى ما الذي دعاه إلى مثل هذا التهجم على أوامر الله بإنكار فائدتها أولا، وبنسبة صدورها لا إلى الله بل إلى الناس، ثانيا: ولو قال بدل هذه العبارة إننا امتثلنا أمر الله بالصلاة وذقنا أثرها وحلاوتها في صدورنا، فلنضف إليها أيضا ما تحتاج إليه أجسامنا ومقومات حياتنا، لنكون أقوياء بإيماننا وبأجسامنا وأرواحنا، حتى نستطيع أن نواجه عدونا بهذه الأسلحة مجتمعة.”

السعادة في المحرمات

وعن تعريف الأديان لمعنى السعادة قال:” ومن أخطاءه أيضا قوله في ص 54 ( والأديان سبب من أسباب الخلط في معنى السعادة، لأنها هي التي قالت عن الزنا والخمر لذات وحرمتهما، فتحولت هذه المحرمات إلى أهداف يجرى وراءها البسطاء والسذج على أنها سعادة وهى ليست بسعادة على الإطلاق ).”

وتابع فضيلته قائلا :”لا أدري هل ذكر الحقائق أمر معيب فإذا قرر الدين الإسلامي أن الخمر والزنا لذات كما يقول الكاتب، أي مشتهيات تشتهيها النفوس وتميل إليها الحيوانية التي هي جزء من الإنسان ثم حرمها، فهل يكون ذلك دعوة للناس إليها أو يكون إيحاء للناس بأن السعادة فيها الواقع أن الدين وهو يحرم بعض ما يشتهيه الإنسان ويلذ له إنما يحرمه للضرر الذي يعود عليه من الجري وراء لذاته، فقد حرم الخمر ليحفظ على الناس عقولهم، وحرم الزنا ليحملهم على الزواج والتناسل، فيحفظ بذلك النوع الإنساني على أكمل الوجوه ، ويقيه شر الانحلال والانهيار والانقراض – هذه هي الحقيقة التي ما أظن أن الكاتب غفل عنها، ولكنه مع هذا يخطئ في التعبير فيقول إن الأديان سبب من أسباب الخلط في معنى السعادة، ولو أنصف لقرر أن الأديان واضحة كل الوضوح في إفهام الناس معنى السعادة، وأن السعادة ليست تحررا بحيث يفعل الإنسان كل ما يريد، وكل ما تشتهيه نفسه ولو كبه ذلك على وجهه وأوقعه في الهلاك ثم يستمر الكاتب في خطئه.”

الله فكرة

وأضاف :”وقد تجاوز الكاتب هذا الخطأ إلى الطعن في الذات العليا، فيتحدث عن الله تعالى حديثا ما كان يليق من كاتب مثله أن يتحدث عنه بهذه العبارات التي لا تليق، ومن ذلك قوله في ص 111 ( إن الله فكرة إنه فكرة في تطور مستمر كما تدل على ذلك قصة الأديان ) ثم ينتهي إلى قوله وشريعة هذا الدين ( أي الذي يدعو إليه ) بسيطة جميلة إنها الولاء للحياة.”

ويستنكر فضيلته أفكار الكاتب قائلا :”لا أيها الكاتب المتعلم تعليما جامعيا، ليس الله فكرة كما تقول ،وإنما الله سبحانه وتعالى ذات منزهة عن صفات الحوادث ومتصفة بجميع صفات الكمال، وهو الذي خلقك وخلق كل ما تراه حولك فليس الله فكرة متطورة كما تقول، وليست الأديان قصة كباقي القصص التي لا أصل لها، وإنما الأديان السماوية حقيقة أيدها الله سبحانه وتعالى بالمعجزات التي أجراها على أيدي رسله ومن هذه المعجزات المعجزة الباقية الخالدة التي أعجزت العرب وغير العرب عن أن يأتوا بمثلها وهى القرآن الكريم الذي قلت في ص 18 إنك فتحت عينيك في يوم لتجد نفسك وحيدا وإلى جوارك مصحف وحجاب لمنع الفقر.”

وتابع:” المصحف الذي وجدته أيها الكاتب والذي لا يمكن أن يكون مثلك بعيدا عنه هو المعجزة التي يكفيك أن تقرأه وتمعن النظر فيه، لتعرف الأسس التي تضمنها، والتي لو عمل بها الفرد وعملت بها الأمة لتحقق الفرد الصالح والأمة الصالحة، ولا يوجد في الشريعة الإسلامية حجاب يمنع الفقر أو يجلب السعادة، وإنما يوجد عمل دائب مستمر لتحقيق معنى السعادة الحقيقية – السعادة المؤسسة على قوة المادة وقوة الروح معا.”

وينهي فضيلته الحديث قائلا:” لا يفوتنا أننا قد تجاوزنا عن كثير من العبارات اللاذعة والتي تعرض فيها للأديان كلها وحكم عليها بأن فكرتها صعدت من الأرض ولم تنزل من السماء صعدت من احتياجات الإنسان ورغباته وضروراته وأنظر ص 113، وغير ذلك من العبارات التي لا يراد منها إلا أن ينكر الناس عقائدهم وأديانهم لمجرد فكرة ملأت رأس الكتاب لم يقم عليها دليل ولا برهان، ولو كانت الأديان تعالج بكتاب يسلك فيه الكاتب مسلك الروائي الخيالي لما بقيت هذه الأديان صامدة آلاف السنين تنادى بجحود كل من ينكرها.”

ويجب التنويه أن الفتوي خلت تماما من اسم مؤلف الكتاب د مصطفي محمود ونبهت علي أن المؤلف قد يراجع نفسة في وقت لاحق في أفكار الكتاب المخالفة للعقيدة وأصول الدين ، وهو بالفعل ما كتبه بالتفصيل د مصطفي محمود في كتاب ” رحلتي من الشك إلي الإيمان “.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *