هيكل يكشف أسرار الصدام بين العسكرى والشباب.. وعدم مساعدة العرب لمصر..
قال الكاتب الكبير، محمد حسنين هيكل، إن نظام الرئيس السابق حسنى مبارك، حاول استعمال التيار الإسلامى (الإخوان) شبحًا يهدد به معارضوه، إما أن يقبلوه بحكمه وبتوريث ابنه، وإما فإن عليهم أن يستعدوا للتيار الإسلامى، وأن مبارك حين روّج للتيار الإسلامى كنقيض، فإنه رجّحه كبديل، مضيفًا: “لست أحد المتحمسين لزحف التيار الإسلامى على السلطة وسيطرته عليها”.
أفاد هيكل بأن المجلس العسكرى خلط بين رؤيته ورؤية الثورة، فهو لم يكن يريد التوريث، لكنه لم يستطع أن يتصور أكثر من ذلك، فى حين أن الشباب والشعب كله كانوا فى حالة ثورة، حتى وإن كانوا لم يحددوا مطالبها بدقة، فقد كانوا فى حاجة إلى وقت، والنتيجة أن المجلس العسكرى ركز على تعديلات دستورية جرى تصنيعها لصالح الوريث، ورسم للمستقبل مسارًا فى هذا النفق الضيق.
أضاف -فى الجزء الثانى من حواره مع الكاتب الصحفى ياسر رزق، وتنشره جريدة الأخبار فى عددها الصادر صباح اليوم الثلاثاء- “ساد الارتباك مرحلة التفكير والتخطيط والعمل للمرحلة الانتقالية، التي بدأت بالانتخابات، وأظن أنه كان علينا البدء بالدستور.. لكن لأن وضع الدستور كان يستغرق وقتا، حيث إن الدساتير ليست كتابة نصوص أو نقل مواد بأكملها من دساتير سبقت، وخوفا من أن تطول المرحلة الانتقالية، مع انفراد المجلس العسكرى بالسلطة العليا فيها، فإن الخطى بدت متسرعة ومتعثرة فى نفس الوقت”.
وقال: “كنت أتمنى أن أضيف تصورًا عن دور السلفيين وأحزابهم فى البرلمان الجديد، لكننى أرد نفسى لأنى لا أعرف مايكفينى للحديث عنهم، أعرف شيئا عن السلفية، وأعرف شيئا عن السلفيين، لكن حجم نجاحهم جاء مفاجئًا لى، ولست من أنصار التسرع برأى فى شأنهم، فقد سمعنا بعض التصريحات، ورأينا بعض الصور، لكن الحركات السياسية لا تُقاس بفرقعات فردية”.
اعتبر هيكل أن سوء الفهم بين المجلس العسكرى وشباب الثورة، تسبب فى صدام بين الطرفين، مؤكدًا أن هذا السوء فى الفهم بين الطرفين ترك جراحًا لابد من علاجها، وقال: “جرى توسيع الجراح بتوزيع اتهامات بغير سند، وجاء لى جماعات من الشباب إلى مكتبى وحكوا لى عن أسباب ضيقهم إلى حد المرارة مما واجهوا، لكنهم برغم ذلك كانوا على استعداد للفهم، فمثلا جماعة 6 أبريل قالوا لى إنهم لايتصورون نسيان حق الشهداء، فقلت لهم إن هذا مشروع وواجب وحق مقدس، لكن مع الحذر من أن يتحول الحق المقدس إلى ثارات قبائل عقيمة تطلب الثأر وتقتص للدم بالدم”.
وقال: “من المفارقات أن المجلس العسكرى كان نظريًا واعيًا لخطر الصدام، وقد سمعت ممن أتيح لى أن ألقاهم بنفسى –عدد محدود من أعضائه- أنهم يتحاشون بكل وسيلة حدوث صدام، وقولهم إن سلاح الجيش ليس سلاما أمنا، لكنه سلاح قتال، وإذا جرى استعماله فهى الكارثة بعينها، والمحظور الذى يجب توقيه، لكن المشاكل فى ظروف الثورة تنشأمن سوء الفهم، وغياب الحوار الحقيقى، وليس الحوار الأبوى أو السلطوى بين الأطراف، وكذلك وقع بعض ما كان يجب أن لايقع بين المجلس العسكرى والشباب، وهذا مأزق لابد من معالجة آثاره، بصرف النظر عما انتهت إليه نتائج الانتخابات النيابية”.
وأضاف هيكل فى سياق كلامه عن قضية الوحدة الوطنية والمواطنة: “المشكلة الطائفية واضحة، لا تحتاج إلى شرح أو تفصيل، وليس طبيعيًا فى ظل دولة المواطنة أن لا يكون هناك محافظ مسيحى إلا على سبيل الاستثناء، لكن، أليس لافتًا أن المجلس العسكرى ليس فيه –كما يبدو لى وأرجو أن يصححنى أحد إذا كان هناك من لا أعرفه- مواطن قبطى واحد من بين أكثر من 20 قائدًا؟”.
وقال: “لم أذهب إلى ميدان التحرير ولا مرة، فقد كان إحساسى من أول لحظة أنها ثورة جيل آخر، ولابد أن يأخذ حقه كاملا فى تصرفه دون مؤثرات، ومع أننى دُعيت مرات عديدة من بعض جماعات الميدان إلى زيارته، فقد اعتذرت، ملتزمًا بحدود وجدتها لائقة، بل أكثر من ذلك، فقد نصحت كثيرين من جيلى والأجيال القريبة منه، بأن يتركوا الميدان لأصحابه، حتى لايشوش عليهم أحد”.
وكشف هيكل عن أنه اقترح على المسئولين فى الدولة بعد سقوط نظام مبارك، أن يقدموا تقريرًا إلى الأمن عن حالتها كما تركها العهد السابق، لأن السكوت عن أحوال معينة سوف يجعل السلطة الجديدة جزءًا من الأزمة وليست جزءًا من الحل، وهنا قال: “من سوء الحظ أن أحدًا لم سمع، بل ولم يناقش، ووقع المحظور”.
وذكر هيكل –وعلى مسئوليته الشخصية- أن صورة الوضع الاقتصادى بالأرقام مثيرة للانزعاج، قائلا: “حجم الأموال التى خرجت من مصر لدواعٍ غير مشروعة، قانونية فى الإجراءات فقط، وإن لم تكن غير شرعية فى الجوهر، وفى عهد تحول إلى فساد، وليس فقط فساد دولة، وأن حجم الأموال التى خرجت من مصر فى تلك الظروف وصل إلى ما بين 250 إلى 300 مليار دولار، وأن حجم الدين الداخلى وصل إلى 200 مليار دولار، أى ما يزيد على تريليون جنيه مصر”.
وأضاف: “حجم الدين الخارجى فى حدود 36 مليار دولار، أى 300 مليار جنيه، وحجم العجز فى الموازنة هذه السنة المالية 2011 – 2012 يتراوح ما بين 30 إلى 35 مليار دولار، أى ما بين 160 إلى 170 مليار دولار، أى أن العجز يصل إلى أكثر من 10% من الدخل القومى، ومعنى ذلك أن حجم العجز اليومى 500 مليون جنيه.. وحجم الاحتياطى لدى البنك المركزى كان 36 مليار دولار، فى بداية عام 2011، ونزل إلى 18 مليارًا، مع العلم أن ثلاثة مليارات منه سبائك ذهب لايمكن التصرف فيه”.
وحول ذلك قال: “الأزمة طاحنة، والجاهزون للمساعدةكثيرون حتى هذه اللحظة فى حالة غياب، كل منهم لأسبابه: فالولايات المتحدة الأمريكية لا تساعد لأنها فى صدد أن تضغط لمزيد من التطويع، والقادرون على المساعدة فى العالم العربى مترددون، ولكل منهم أسبابه، لكن أخلصهم نية يقول وقد سمعتها بنفسى: “نحن نريد أن نساعد الشعب المصرى، ولكن لا نريد أن نسد العجز فى ميزانية جارية، وإنما نريد أن نساعد أوضاعا دائمة، ولا نساعد أوضاعا مؤقتة، وإلا فمعنى ذلك أننا سوف نطالب بالمساعدة مرتين، مرة لوضع مؤقت، ومرة ثانية لوضع دائم يجئ ويطالب من جديد”.