فرسان التحدي … عقول لا تعرف المستحيل

بقلم الدكتور فاروق شاهين رئيس مركز شاهين لفرسان التحدي للتدريب والتعليم لذوي الهمم
في زمنٍ تُقاس فيه القوة بالقدرة الجسدية، يخرج فرسان التحدي من ذوي الهمم ليعيدوا تعريف القوة الحقيقية، مؤكدين أن العقل الإنساني لا يعترف بالحدود، وأن الإعاقة لا تكون في الجسد بقدر ما تكون في غياب الفرصة والدعم. لقد شكّل ذوي الهمم عبر التاريخ نماذج علمية مُلهمة، أثبتت أن الإرادة والمعرفة قادرتان على صناعة إنجازات خالدة.
ودائما ما كان العلم بوابة العبور إلى التميز ولم يكن العلم يومًا حكرًا على فئة دون أخرى، بل كان ولا يزال مساحة مفتوحة لكل من يمتلك الشغف والسعي. فقدّم ذوي الهمم نماذج عالمية خالدة في مختلف المجالات العلمية، ليصبحوا مصدر إلهام للأجيال الحالية والقادمة.
ومن تلك النماذج العلمية الملهمة من ذوي الهمم يبرز اسم ستيفن هوكينج كأحد أعظم علماء الفيزياء في العصر الحديث، ورغم إصابته بمرض التصلب الجانبي الضموري الذي قيّده جسديًا، فقد حرّر الكون بأفكاره، وأسهم في فهم الثقوب السوداء ونشأة الكون، ليؤكد أن العقل لا تُقيّده الإعاقة.
كذلك في مجال التعليم والفكر الإنساني، تقف هيلين كيلر مثالًا فريدًا؛ فقدت السمع والبصر في طفولتها، لكنها تحدّت الظلام، وحصلت على شهادة جامعية، وأسهمت في تطوير أساليب تعليم ذوي الإعاقة، لتصبح رمزًا عالميًا للإرادة والمعرفة.
أما جون ناش، عالم الرياضيات الحائز على جائزة نوبل، فقد واجه تحديات نفسية قاسية، ورغم ذلك غيّرت نظرياته في الألعاب مسار علم الاقتصاد والسياسة، مؤكدًا أن التحديات النفسية لا تلغي الإبداع العلمي.
ويأتي العصر الحديث، لتبرز معه العالمة تمبل غراندين، و التي تعاني من اضطراب التوحّد، لكنها برغم ذلك أحدثت نقلة نوعية في فهم السلوك الحيواني، وأسهمت أبحاثها في تطوير ممارسات أكثر إنسانية في هذا المجال، لتثبت أن الاختلاف العصبي قد يكون مصدرًا للابتكار.
كما لا يمكن إغفال أسم فينت سيرف، أحد رواد تطوير الإنترنت، والذي كان يعاني من ضعف سمع شديد، لكنه اصبح أحد العقول المؤسسة للعالم الرقمي الذي نعيش فيه اليوم.
وكأمتداد طبيعي لهذه المسيرة يأتي دور فرسان التحدي ليمثلوا دورا مهم إلى جانب هذه النماذج العالمية و انعكاسًا حيًا لما يجسده فرسان التحدي من ذوي الهمم في مجتمعاتنا اليوم؛ فهم ليسوا حالات استثنائية، بل طاقات حقيقية قادرة على الإسهام العلمي والمعرفي متى توفرت البيئة الداعمة والفرصة العادلة.
لقد أثبت فرسان التحدي أن الاستثمار في التعليم والتمكين العلمي لذوي الهمم هو استثمار في مستقبل المجتمع ككل، وأن دعمهم لا يُعد عملاً إنسانيًا فقط، بل ضرورة تنموية وثقافية.
وهنا لابد ان نؤكد على تلك الرسالة و نطلقها للمجتمع ككل فقصص النجاح العلمية لذوي الهمم تحمل رسالة واضحة من الدمج الحقيقي النابع من الإيمان بالقدرة، وعدم الاكتفاء التعاطف فقط، فحين يُمنح الإنسان الأدوات المناسبة، يصبح قادرًا على الإبداع، بغضّ النظر عن التحديات التي يواجهها.
يبقى فرسان التحدي من ذوي الهمم دليلًا حيًا على أن العلم لا يرى الإعاقة، بل يرى العقل، وأن الأمم لا تتقدم إلا عندما تفتح أبواب المعرفة لكل أبنائها دون استثناء. إنهم عقول لا تعرف المستحيل، ونماذج تستحق أن تُروى قصصها وتُخلّد إنجازاتها.