“النفط لا الكوكايين”… مادورو يكشف أسرار التوتر الأميركي في البحر الكاريبي

إعداد: رندة نبيل رفعت
منطقة البحر الكاريبي، التي لطالما وُصفت بأنها “بحر السلام” في نصف الكرة الغربي، باتت اليوم ساحة جديدة لتصعيدٍ عسكري متنامٍ بين الولايات المتحدة وحلفائها من جهة، وفنزويلا وداعميها في محور الجنوب العالمي من جهة أخرى. تصريحات الرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا الأخيرة، خلال قمة مجموعة بريكس، سلطت الضوء مجددًا على خطورة الوجود العسكري الأميركي المتزايد في الكاريبي، ووصفه بأنه “عامل توتر يتنافى مع الطابع السلمي للمنطقة”.
لكن خلف الستار الدبلوماسي، ما الذي يجري فعلاً في مياه الكاريبي؟ وهل يتعلق الأمر فقط بـ”تهريب المخدرات” كما تقول واشنطن؟ أم أن الأمر أعمق، ويتعلق بالثروات النفطية الهائلة التي تختزنها فنزويلا؟
تحركات عسكرية غير مسبوقة
تحت غطاء “مكافحة تهريب المخدرات”، عززت الولايات المتحدة وجودها العسكري في الكاريبي، بنشر سفن حربية ومقاتلات F-35 في قواعد قريبة من فنزويلا، أبرزها بورتوريكو.
في أبريل الماضي، أعلنت إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب -ضمن حملة متواصلة منذ 2020- عن عمليات بحرية استهدفت قوارب يُشتبه في علاقتها بشبكات التهريب، من بينها قارب أسفر استهدافه عن مقتل 11 شخصًا، اتهمتهم واشنطن بالانتماء إلى عصابة “ترين دي أراغوا” الفنزويلية، المصنفة “إرهابية” وفق المعايير الأميركية.
التحركات العسكرية تأتي في سياق حملة ضغط طويلة على نظام نيكولاس مادورو، الذي تتهمه الولايات المتحدة بقيادة شبكة دولية لتهريب المخدرات، وصلت لحد رصد مكافأة 50 مليون دولار لمن يدلي بمعلومات تؤدي إلى اعتقاله.
لكن هل هذا هو السبب الحقيقي؟
النفط في قلب المعادلة
في خطاب لافت، قطع مادورو الشك باليقين، قائلاً بوضوح:
“الأمر لا يتعلق بتجارة المخدرات… إنهم بحاجة إلى النفط والغاز.”
فنزويلا، بحسب مادورو، تمتلك اليوم أكبر احتياطيات نفطية في العالم، وأكثر من 300 مليار برميل مؤكدة، وهي ثروات لا تزال كامنة تحت الأرض، لكنها أصبحت أكثر قابلية للاستخراج بفضل التقنيات الحديثة في الحفر والاستخلاص.
واشنطن، من ناحيتها، تفرض عقوبات خانقة على قطاع النفط الفنزويلي منذ سنوات، لكنها في الوقت نفسه، أبقت قنوات خلفية مفتوحة للضغط على كاراكاس عبر أدوات سياسية وعسكرية واقتصادية، بهدف إعادة تشكيل ميزان القوى في الإقليم الغني بالطاقة.
صراع جيوبولتيكي أم تصفية حسابات
المشهد الحالي يكتسب أبعادًا دولية متزايدة:
روسيا والصين تدعمان مادورو دبلوماسيًا واقتصاديًا، ضمن سياسة توسع نفوذ الجنوب العالمي.
الولايات المتحدة تسعى للحفاظ على نفوذها التاريخي في “حديقتها الخلفية”.
البرازيل بقيادة لولا، تدفع نحو سياسة إقليمية سلمية بعيدة عن الاصطفافات العسكرية.
مجموعة بريكس تتحول تدريجيًا إلى تكتل سياسي واقتصادي يعارض الهيمنة الغربية، ما يزيد من حساسية الموقف الأميركي.
التدخلات الأميركية في الكاريبي تثير المخاوف لدى عواصم الجنوب من تحول المنطقة إلى نسخة جديدة من الحرب الباردة، خصوصًا أن هذه التحركات لا تأتي بالتنسيق مع دول المنطقة، بل تعتبرها واشنطن “ضرورة أمن قومي”.
هل يعود الكاريبي إلى عهد الانقلابات والتدخلات؟
تاريخياً، لا تخلو ملفات الكاريبي من التدخل الأميركي العسكري والسياسي:
غزو غرينادا (1983)
حصار كوبا
دعم انقلابات أو محاولات زعزعة أنظمة في أمريكا اللاتينية
اليوم، تُستخدم مكافحة المخدرات كـ”غطاء مشروع”، تمامًا كما كانت الحرب على الشيوعية سابقًا، لإعادة ترتيب أوراق النفوذ في المنطقة، خاصة بعد تقارب فنزويلا مع دول كالصين وروسيا وإيران.
بريكس تقول كلمتها
تصريحات لولا من داخل مجموعة بريكس الموسعة لم تكن مجرد موقف دبلوماسي، بل تحمل دلالات سياسية واضحة بأن زمن القطب الواحد يواجه تحديات حقيقية. الدعوة إلى “عالم متعدد الأقطاب” باتت أكثر إلحاحًا، والوجود العسكري الأميركي في الكاريبي يمثل، بنظر العديد من قادة الجنوب، عودة إلى أدوات الهيمنة التقليدية في زمن تتغيّر فيه معادلات القوة.
خلاصة:
الحشد العسكري الأميركي في الكاريبي تجاوز حدود “مكافحة التهريب”.
الموارد الطبيعية، وعلى رأسها النفط الفنزويلي، هي جوهر الصراع الخفي.
الجنوب العالمي بدأ يتحدث بصوت واحد، ويرفض عسكرة مناطقه تحت ذرائع غير شفافة.
منطقة الكاريبي قد تكون نقطة الاشتعال القادمة في لعبة الأمم.