كنوز العمارة وازمة الهوية (حوار)
يعتبر الفن عموماً والمعماري منه خصوصاً، من أصدق أنباء التاريخ، وهو واحد من أهم علوم هندسة الروح والجسد وأكثرها سمواً ورقياً، ذلك لأنه قادر كموسوعة وقوة خازنة لخيال الأمم، على تحقيق التواصل والتفاعل الحضاري، والفن المعماري أقدر من غيره على التواصل مع الآخر، والعمارة هي وعاء الحضارة، وتمثل الهُوية الثقافية والمستوى الإبداعي والجمالي للإنسان وكما قيل منذ القدم، هي أم الفنون لأنها تجمع بين فن البناء إلى جانب النحت والرسم ، والعمارة المصرية تعتبر أكثر أقطار العالم إبداعاً في هذا الفن ، فما اسباب تدهورها الحالي اهي ظروف سياسية ام اجتماعية ام تعليمية ام ثقافية ، فكان لنا هذا الحوار مع أ.د امال عبده استاذ بقسم العمارة بكلية الفنون الجميلة .
ما الفرق بين الفن المعماري المصري في الماضي عن الحاضر ؟
يتم خلال هذه الأيام الأخذ بالشكل المندثر من التاريخ الفني ويتم تطبيقه، فالعمارة ألان لا تعبر عن الهوية المصرية والمباني الحالية تتم بشكل غير مفهوم وذات طابع مركب ويفتقد الهوية لبلد معين ، أما العمران في الماضي وبالتحديد أيام الملكية كانت تأخذ عن الطابع الإسلامي وكانت مفهومة وكان هناك تمييز في الوجهات والشوارع الرئيسية والجانبية وتشكيل في الوجنات ولكن كل تلك المظاهر اندثرت وذلك تم بفعل فاعل ، ويرجع هذا إلى عصر الخديوي إسماعيل عندما تحكم بمنطقة وسط البلد وجعلها ذات طابع أوربي فلم يصنعه ألينا كمصرين ولكن للمستثمرين الأجانب في مصر وذلك لتشجيع الاستثمار في مصر ولإحساسهم بأنهم يعيشون في بلدهم .
فالاستثمار العالمي حينها كان يتطلب ذلك فهو لم يبنيها في القاهرة الفاطمية و قام ببناء طراز وسط البلد في منطقة خالية لا يوجد بها مباني و قام ببناء مدينة جديدة ، ويذكر أن العتبة الخضراء كانت فاصل بين القديم والجديد فهي قطعت الهوية الإسلامية بإيحاء المجتمع فقد أوحت بأن هذا الأفضل وانه لم يكن الأفضل فهو غير متناسب مع طبيعة وثقافة المواطن المصري .
أما بالنسبة للمدن الجديدة مثل 6 أكتوبر والشروق والتجمع وغيرها فأخذت الطابع المشوه وبالفعل شعر المواطن بأن هذا الطبيعي وهذا خاطئ لان لابد وان يعبر المعمار عن الثقافة والمناخ ويجب الشعور بهم ويجب أيضاً أن يحمل مكانه تاريخه وثقافة مجتمعه وينعكس كل ذلك على مبانيه فأن أخذت صورة لأحد المباني الجديدة المصرية وعرضها بالخارج سوف لا يستطيع احد معرفة لأي بلد ينتمي هذا المبنى وان رأى بيت السحيمي أو خان الخليلي سوف يتم معرفة مصر من خلالهم فمصر فقدت الهوية لتعرفينا فهذه تعتبر سقطة .
والسقطة الكبرى جاءت في عصر جمال عبد الناصر و أبنية الاتحاد السوفيتي وشاهدنا دخول الثقافة السوفيتية في المعمار المصري .
هل النهوض بالفن المعماري يحتاج إلى أفكار أو الكثير من المال ؟
الفن المعماري يحتاج إلى الاثنين مع وجود رؤية وعندما أقرر البناء في اى مدينة لابد إن يعبر العمل عن شخصية المدينة وثقافتها فنحن لا نجد هذا على الإطلاق ولكننا نجد نموذج المدرسة الخاص بهيئة الأبنية التعليمية والمنتشرة في عدة محافظات ومنها الأقصر و الإسكندرية والمنصورة وغيرها من المدن وهذا شكل خاطئ لان لكل منطقة مناخها وطابعها الخاص فلا يمكننا توحيد محافظات مصر بنموذج واحد وهذا الخطأ الذي فعله عبد الناصر بأنه قام بتوحيد مصر بالكامل بنموذج فلم تكن تجربة ناجحة .
وعندما نذهب إلى ألمانيا الغربية نجد إننا بداخل مصر فهناك توحيد في شكل العمارة المصرية والألمانية والتي طغى عليها الطابع السوفيتي بنفس الأخلاقيات ومناشر الغسيل والبقع بالمباني والتصدع وهذا كله شاهدنا في معمار ألمانيا الشرقية ، فهذا هو النموذج الذي تم أخذه في عهد عبد الناصر ونفذ بمصر.
فلا يمكن اخذ نموذج غربي وافرضه على الشرق فلابد إن يعبر المعمار المصري عن الشخصية المصرية .
هل ترى أن الانحدار التعليمي وراء انهيار الفن المعماري المصري ؟
لا وسبب انحدار الفن المعماري المصري هو عدم الاهتمام بأولوية المعماري فكان في الماضي لا يتم البناء إلا بتوقيع المهندس المعماري على التطابق بالحسابات الإنشائية إما الآن فالإنشائي له إمكانية محدودة فالإنشائي يرسم العمارة ولا يستطيع تنفيذها في السوق لان لا يوجد لديه السلطة لتغيير شيء فى النظام المعماري . فكل متخصص مسئول عن عمله وعليه ان يتم تتطابق ما يصممه على العمل المعماري ويتم تنفيذ الرؤية الخاصة به .
ما هي أسباب حفاظ بعد المدن الفقيرة في مصر على تراثها المعماري بعكس المدن المتقدمة التي فقدت هوايتها المعمارية ؟
لأنها محافظات تصر على الاحتفاظ بالهوية وشخصيتها والمجتمع الخاص بها وانما المدن الكبيرة يوجد بها اشكال التعددية فيوجد بها سكان من جميع المحافظات ولكل منهم ثقافته واختلافه بالإضافة إلى فرضه لنظام معيشي يتناسب مع محافظته السابقة ولا ينسجم مع محافظته الجديدة التي يعيش بها فبذلك حول المجتمع الجديد إلى قرية ، ونجد هذا بكثافة في الإسكان الشعبي التي تطرحه الدولة على المواطنين فنحن نقوم بتكبير وتمديد القرية إلى المدن الكبرى فنحن نعيش في قرية كبرى ولا يوجد حل إلا بإنماء القرى فبهذا لا يرغب المزارع إلى هجرة القرى و المجيء إلى المدن الكبرى .
هل الفن المعماري له مردود سياحي ؟
هناك علاقة وطيدة بين المباني السياحية والقرى والمنتجعات فلابد من وجود الطابع والروح المصرية فالسائح عندما يأتي يسعد بشكل المبنى المختلف عنه وعندما يشاهد مبنى يشابه مدينته يحس بعدم انسجام المبنى بطبيعة البلد ويقول “أنا أتيت لأرى شيء مختلف” .
هل تأثرت العمارة المصرية بالحياة السياسية ؟
نعم اثر بشكل كبير فنظام الانفتاح الاقتصادي أعطى الحق لمن يرغب في بناء أي شيء في اى منطقة ويفعل ما يشاء دون الرجوع لمختص مما جعل انفتحنا على العالم بشكل اكبر وبذلك افقدنا الهوية والطابع المصري أو الرؤية التي تحافظ على الهوية المصرية ففقدنا روح توحد البيئة والمجتمع .
هل هناك مبادرات لإحياء التراث المعماري القديم ؟
هناك عدة مبادرات ومسابقات و ندوات ولكن الأهم أن يوجد نظام سياسي لديه رؤية لكي تقوم بتطبيق الأفكار الكثيرة والتي تمت لإحياء التراث المعماري فان لم يهتم النظام السياسي لذلك من الصعب أن يتم تغيير شيء فالإنشائي (عبد المأمور) ليس لديه أي صلاحيات لاتخاذ إجراءات لمنع الانحدار المعماري الموجود .
هل هناك تشريعات لتدخل المعماريون عند وجود أي مخالفات ؟
هناك في الدستور مواد للحفاظ على الثقافة والهوية ولكن موضوعة بحيث لا تعطي للإنشائي الحق في التغيير بصورة مباشرة، مثلاً هيئة التنسيق الحضاري مكلفة بالمحافظة على التراث المعماري ولكن لا يوجد لدينا ضبطية قضائية لمنع المخالفة أو الهدم فنحن نشاهد كفاح مرير منذ سنوات للمحاولة على الحفاظ على الهوية المعمارية، فنحن يوجد لدينا بعض العوائق مثل وجود عمارات ملك للعديد من الورثة والعديد من المشاكل الأخرى، فنحن لدينا أمكانية المحافظة عليها بشكل اكبر من المباني المفرغة في المناطق الأخرى فمصر الجديدة أو المدن التي تحافظ على شكل المعمار الحديث فتحافظ عليها أما خارجها فهي ملك لأفراد فمن الصعب اخذ إجراءات للمخالفين ، فنحن نحتاج إلى قوانين وسلطة تنفيذية .
ما الخطوات التي يجب اتخذها لاستعادة الفن المعماري المصري ؟
أن تقوم الدولة بمساندة المعماريون لارتقاء بالذوق المعماري العام وان يقوم المعماري بالأشراف الكامل على شكل البناء فالآن من يتحكم بأشكال البناء هم المقاولون وليس المعماريون .