د.سمير البهواشى يكتب: أنشودة مصرية

أعترف أنى واحد من كثيرين عندما تضيق بهم الحياة وتبلغ القلوب منهم الحناجر لا يجدون متنفساً عطراً ولا نسيماً أرجاً إلا فى قراءة تاريخ الأجداد، وفى إحدى رحلاتى هذه وقع بصرى على انشودة مصرية رقيقة لا ينظمها إلا شاعر مرهف الحس رقيق الشعور سليم الوجدان محب للحياة وللبشر، اسمها “العذراء فى الريف” نقلها إلينا عاشق مصر العظيم الأستاذ سليم حسن فى الجزء الخاص بأدب الفراعنة من موسوعة مصر القديمة، تقول الأنشودة: أخى الحبيب إن قلبى يتوق إلى حبك.. انظر ما أنا فاعلة.. إنى آتية.. وسأصطاد بأحبولتى فى يدى وقفصى.. إن كل طيور “بنت” – بكسر الباء والنون وسكون التاء – (أرض العطور الذكية) تحط على أرض مصر وهى معطرة.. وأول عصفور يأتى سيبتلع دودتى، فرائحتها تجلب من بنت ومخالبها مغمورة بالمسوح.. إن رغبتى فيك هى لأجل أن نطلق سراحها معاً.. يا أجمل الناس إن أمنيتى هى أن أحبك كقعيدة بيتك وأن تطوى ذراعى على ذراعك.. ألست أنت العافية والحياة.. إنى أجعل حب أخى همى الأول والوحيد ومن أجل ذلك لا يهدأ قلبى..
ويجيبها المحبوب فى مقطوعة أخرى فيقول: إن حبها هو الذى يبعث فىّ القوة وحينما أنظر إلى أختى آتية ينشرح صدرى وقلبى يبتهج ويخيل إلى إنى امرؤ من بلاد بنت لماذا لم أكن خادمتها التى تقعد عند قدميها فأستطيع أن أراها إلى الآبد إنى أقول لك – يقصد الخادمة – ضعى أحسن ملابس الكتان بين ساقيها وزينى مقعدها وعطريه بزيت “تشيبس” – عطر فرعونى مشهور – آه ليتنى الخاتم الذى فى إصبعها.. انتهت ولم تنته دهشتى وتفكيرى وتحسرى على هذه الأسماء الجميلة من ماضينا المضىء فلماذا يغيب عن فكر أصحاب مصانع العطور عندنا مثل هذه الأسماء الجميلة: بنت، وتشيبس فلا يطلقونها على أجود الأنواع فنكون بذلك قد كسبنا مرتين الأولى تخليد الماضى والعودة إلى الجذور والثانية التمتع بالخصوصية وعدم التقليد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *